فصل: ذكر قتل شيبان الحروري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر هرب نصر بن سيار من مرو:

ثم أرسل أبو مسلم لاهز بن قريظ في جماعة إلى نصر بن سيار يدعوه إلى كتاب الله عز وجل، والرضاء من آل محمد، فلما رأى ما جاءه من اليمانية والربيعية والعجم وأنه لا طاقة له بهم أظهر قبول ما أتاه به وأنه يأتيه ويبايعه، وجعل يرشيهم لما هم من الغدر والهرب، إلى أن أمسوا، وأمر أصحابه أن يخرجوا من ليلتهم إلى مكان يأمنون فيه، فقال له سالم بن احوز: لا يتهيأ لنا الخروج الليلة ولكننا نخرج القابلة.
فلما كان الغد عبأ مسلم أصحابه وكتائبه إلى بعد الظهر وأعاد إلى نصر لاهز بن قريط وجماعة معه، فدخلوا على نصر، فقال: ما أسرع ما عدتم! فقال له لاهز بن قريط: لا بد لك من ذلك. فقال نصر: إذا كان لابد من ذلك فإني أتوضأ وأخرج إليه، وأرسل إلى أبي مسلم، فغن كان هذا رأيه وأمره أتيته، وأتهيأ إلى أن يجيء رسولي. فقام نصر، فلما قام قرأ لاهز بن قريظ: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين القصص: 20. فدخل نصر منزله وأعلمهم أنه ينتظر انصراف رسوله من عند أبي مسلم. فلما جنه الليل خرج من خلف حجرته ومعه تميم ابنه والحكم بن نميلة النميري وامرأته المزبانة وانطلقوا هراباً، فلما استبطأ لاهز وأصحابه دخلوا منزله فوجدوه قد هرب.
فلما بلغ ذلك أبا مسلم سار إلى معسكر نصر وأخذ ثقات أصحابه وصناديدهم فكتفهم وكان فيهم سالم بن أحوز صاحب شرطة نصر، والبختري كاتبه، وابنان له، ويونس بن عبدويه، وحمد بن قطن، ومجاهد بن يحيى بن حضين، وغيرهم، فاستوثق منهم بالحدي، وكانوا في الحبس عنده، وسار أبو سملم وابن الكماني في طلب نصر ليلتهما، فأدركا امرأته قد خلفها وسار، فرجع أو مسلم وابن الكرماني إلى مرو، وسار نصر: ما الذي ارتاب به نصر حتى هرب؟ قالوا: لا ندري. قال: فهل تكلم أحد منكم بشيء؟ قالوا تلا لاهز هذه الآية: إن الملأ يأتمرون بك. قال: هذا الذي دعاه إلى الهرب. قم قال: يا لاهز تدغل في الدين! ثم قتله.
واستشار أبو مسلم أبا طلحة في أصحاب نصر فقال: اجعل سوطك السيف وسجنك القبر. فقتلهم أبو مسلم، وكان عدتهم أربعة وعشرين رجلاً.
وأما نصر فإنه سار من سرخس إلى طوس فأقام بها خمسة عشر يوماً، وبسرخس يوماً، ثم سار إلى نيسابور فأقام بها، ودخل ابن الكرماني مرو مع أبي مسلم وتابعه على رأي وعاقده عليه يحيى بن حضين بضم الحاء المهملة، وفتح الصاد المعجمة، وآخره نون.

.ذكر قتل شيبان الحروري:

وفي هذه السنة قتل شيبان بن سلمة الحروري.
وكان سبب قتله أنه كان هو وعلي بن الكرماني مجتمعين على قتال نصر لمخالفة شيبان نصراً لأنه من عمال مروان، وشيبان يرى رأي الخوارج، وخالفة ابن الكرماني نصراً لأن نصراً قتل أباه الكرماني، وأن نصراً مضري وابن الكرماني يماني، وبين الفريقين من العصبية ما هو مشهور، فلما صالح ابن الكرماني أبا مسلم على ما تقدم وفارق شيبان تنحى شيبان عن مرو إذ علم أنه لا يقوى لحربهما، وقد هرب نصر إلى سرخس.
ولما استقام الأمر لأبي مسلم أرسل إلى شيبان يدعوه إلى البيعة، فقال شيبان: أنا أدعوك إلى بيعتي. فأرسل إليه أبو مسلم: إن لم تدخل في أمرنا فارتحل عن منزلك الذي أنت به. فأرسل شيبان إلى ابن الكرماني يستنصره، فأبى، فسار شيبان إلى سرخس واجتمع إله جمع كثير من بكر بن وائل، فأرسل إليه أبو مسلم تسعة من الأزد يدعوه ويسأله أن يكف، فأخذ الرسل فسحبنهم. فكتب أبو مسلم إلى بسام بن إبرايهم مولى بني ليث بأبيورد يأمره أن يسير إلى سيبان فيقاتله، فسار إليه فقاتله، فانهزم شيبان واتبعه بسام حتى دخل المدينة فقتل شيبان وعدة من بكر بن وائل. فقيل لأيب مسلم: إن بساماً ارتد ثانيةً وهويقتل البريء السقيم؛ فاستقدمه، قدم عليه، واستخلف على عسكره رجلاً. فلما قتل شيبان مر رجل من بكر بن وائل برسل أبي ملم فقتلهم.
وقيل: إن أبا مسلم وجه إلى سشيبان عسكراً من عنده عليهم خزيمة بن خازم وبسام بن إبراهيم.

.ذكر قتل ابني الكرماني:

وفي هذه السنة قتل أبو مسلم علياً وعثمان ابني الكرماني.
وكان سبب ذلك أن أبا مسلم كان وجه موسى بن كعب إلى أبيورد فافتتحها وكتب إلى أبي مسلم بذلك، ووجه أبا داود إلى بلخ، وبها زياد بن عبد الرحمن القشيري، فلما بلغه قصد أبي دواد بلخ خرج في أهل بلخ وترمذ وغيرهما من كور طخارستان إلى الجوزجان، فلما دنا أبو داودمنهم انصرفوا منهزمين إلى ترمذ، ودخل أبو داود مدينة بلخ، فكتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه، ووجه مكانه يحيى بن نعيم أبا الميلاء على بلخ، فلما قدم يحيى مدينة بلخ كاتبه زياد بن عبد الرحمن أن يرجع وتصير أيديهم واحدة، فأجابه، فرجع زياد ومسلم بن عبد الرحمن بن مسلم الباهلي وعيسى بن زرعة السلمي وأهل بلخ وترمذ وملوكطخارستنا ما وراء النهر ودونه فنزلوا على فرسخ من بلخ وخرج إليهم يحيى بن نعيم بمن معه، فصارت كلمتهم واحدة مضر وربيعة واليمن ومن معهم من العجم على قتال المسودة، وجعلوا الولاية عليهم لمقاتل بن حيان النبطي كراهة أن يكون من واحد من الفرق الثلاثة.
وأمر أبو مسلم أبا داود بالعود، فاقبل بمن معه حتى اجتمعوا على نهر السرجتان، وكان زياد وأصحابه قد وجهوا أبا سعيد اقرشي مسلحة لئلا يأتيهم أصحاب أبي داود من خلفهم، وكانت أعلام أبي داود سوداً، فلما اقتتل أبو داود وزياد وأصحابهما امر أبو سعيد أصحبه أن يأتوا زياداً وأصحابه، فأتوهم من خلفهم، فلما رأى زياد ومن معه أعلام أبي سعيجد وراياته سوداً ظنوه كميناً لأبي داود فانهزموا، وتبعهم أو داود، فوقع عامة أصحاب زياد في نهر السرجنان وقتل عامة رجالهم المتخلفين، ونزل أبو داود معسكرهم وحوى ما فيه.
ومضى زياد ويحيى ومن معهما إى ترمذ، واستصفى أبو داود أموال من قتل ومن هرب واستقامت له بلخ.
وكتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه، ووجه النضر بن صبيح المري على بلخ. وقدم أبو داود على أبي مسلم واتفقا على أن يفرقا بين علي وعثمان ابني الكرماني، فبعث أبو مسلم عثمان عاملاُ على بلخ، فلمكا قدمها استخلف الفرافصة بن ظهير العبسي على بلخ.
وأقبلت المضريه من ترمذ عليهم مسلم بن عبد الرحمن بالباهلي، فالتقوا هم وأصحاب عثمان فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم أصحاب عثمان، وغلب مسلم على بلخ، وبلغ عثمان والنضر بن صبيح الخبر وهما بمرو الروذ، فأقبلا نحوهم، فهرب أصحاب عبد الرحمن من ليلتهم، فلم يمعن النضر في طلبهم رجاء أن يفوتوا، ولقيهم أصحاب عثمان فاقتتلوا قتالاً شديداً، ولم يكن النضر معهم، فانهزم أصحاب عثمان وقتل منهم خلق كثير. ورجع أبو داود من مرو إلى بلخ، وسار أبو مسلم ومعه علي بن الكرماني إلى نيسابور، واتفق رأي أبي مسلم ورأي أبي داود على أن يقتل أبو مسلم علياً وقتل أبو داود عثمان، فملا قدم أو داود بلخ بعث عثمان عاململاً على الجبل فيمن معه من أهل مرو، فلما خرج من بلخ تبعه أبو داود فأخذه وأصحابه فحبسهم جميعاً، ثم ضرب أعناقهم صبراً، وقتل أبو مسلم في ذلك اليوم علي بن الكرماني، وقد كان أبو مسلم أمره أن يسمي له خاصته ليوليهم ويأمر لهم بجوائز وكسورات، فسماهم له، فقتلهم جميعاً.

.ذكر قدوم قحطبة إلى نيسابور:

لما قتل شيبان الخارجي وابنا الكرماني، على ما تقدم، وهرب نصر بن سيار من مرو، وغلب أبو مسلم على خراسان، وبعث العمال على البلاد، فاستعمل سباغ بن النعمان الأزدي على سمر قند، وأبا داود خالد بن إبراهيم على طخارستان، ومحمد بن الأشعث على الطبسين، وجعل مالك بن اليثم على شرطه، ووجه قحطبة إلى طوس ومعه عدة من القواد، منهم: أبو عون عبد الملك بن يزيد، خالد بن برمك، وعثمان بن نهيك، وخازم ابن خزيمة، وغيرهم؛ فلقي قطبة من بطوس فهزمهم، وكان من مات منهم في الزحام أكثر ممن قتل، فبلغ عدة القتلى بضعة عشر ألفاً.
ووجه أبو مسلم القاسم بن مجاشع إلى نيسابور على طريق المحجة، وكتب إلى قحطبة يأمره بقتال تميم بن نصر بن سيار والنابئ بن سويد لجأ إلهما من أهل خاسان، وكان أصحاب شيبان بن سلمة الخارجي قد لحقوا بنصر، ووجه أبو مسلم علي بن معقل في عشرة آلاف رجل إلى تمسم بن نصر، وأمره أن يكون مع قحطبة، واسر قحطبة إلى السوذقان، وهو معسكر تميم بن نصر والنابئ، وقد عبأ أصحابه وزحف إليهم، فدعاهم إلى ككتاب الله، عز وجل، وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، وإلى الرضاء من آل محمد، فلم يجيبوه، فقاتلهم قتالاً شديداً، فقتل تميم بن نصر في المعركة، وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة واستبيح عسكرهم، وكان عدة من معه ثلاثين ألفاً، وهرب النابئ ومن معه، وبلغ الخبر نصر بن سيار بنيسابور بقتل ابنه.
ولما استولى قحطبة على عسكرهم سير ألى خالد بن برمك ما قبض فيه، وسار هو إلى نيسابور، وبلغ ذلك نصر بن سيار فهرب منها فيمن معه فنزل قومس، وتفرق عنه أصحابه فسار إلى نباتة بن حنظلة بجرجان، وقدم قحطبة نيسابور بجنوده فأقام بها رمضان وشوال.

.ذكر قتل نباته بن حنظلة:

وفي هذه السنة قتل نباتة بن حنظلة عامل يزيد بن هبيرة على جرجان، وكان يزيد بن هبيرة بعثه إلى نصر، فأتى فارس وأصبهان ثم سار إلى الري ومضى إلى جرجان، وكان نصر بقومس على ما تقدم، فقيل له: إن قومس لا تحملنا، فسار إلى جرجان فنزلها مع نباتة وخندقوا عليهم.
واقبل قحطبة إلى جرجان في ذي القعدة، فقال قحطبة: يا أهل خراسان أتدرون إلى من تسيرون ومن تقاتلون؟ إنما تقتلون بقيه قوم حرقوا بيت الله تعالى! وكان الحسن بن قحطبة على مقدمة أبيه، فوجه جمعاً إلى مسلحة نباتة وعليها رجل يقال له ذويب، فبيتوهم فقتلوا ذؤيباً وسبعين رجلاً من أصحابه فرجعوا إلى الحسن.
وقدم قحطبة فنزل بإزاء نباتة وأهل الشام في عدة لم ير الناس مثلها، فلما رآهم أهل خراسان هابوهم حتى تكلموا بذلك وأظهروه، فبلغ قحطبة قولهم، فقام فيهم فقال: يا أهل خراسان هابوهم حتى تكلموا بذلك وأظهروه، فبلغ قحطبة قولهم، فقام فيهم فقال: يا أهل خراسان هذه البلاد كانت لآبائكم، وكانوا ينصرون على عدوهم لعلهم وحسن سيرتهم حتى بدلوا وظلموا فسخط الله، عز وجل، عليهم فانتزع سالكانهم وسلط عليهم أذل أمة كانت في الأرض عندهم، فغلبوهم على بلادهم، وكانوا بذلك يحكمون بالعدل ويوفون بالعهد ونصرون المظلوم، ثم بدلوا وغيروا وجاروا في الحكم وأخافوا أهل البر والتقوى من عترة رسول الله فسلطكم عليهم لنتقم منهم بكم لتكونوا أشد عقوبة لأنكم طلبتموهم بالثأر، وعقد عهد إلي الإمام أنكم تقلقونمهم في مثل هذه العدة فينصركم الله، عز وجل، عليهم فتهزمونهم وتقتلونهم. فالتقوا في مستهل ذي الحجة سنة ثلاثين ومائة يوم الجمعة، فقال لهم قحطبة قبل التال: إن الإمام أخبرنا أنكم تنصرون على عدوكم هذا اليوم من هذا الشهر، وكان على ميمنته ابنه الحسن، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل بناتة، وانهزم أهل الشام فقتل منهم عشرة آلاف، وبعث إلى أيب مسلم برأس نباتة وابنه حية.

.ذكر وقعة أبي حمزة الخارجي بقديد:

في هذه السنة لسبع بقين من صفر كانت الوقعة بقديد بين أهل المدينة وأبي حمزة الخارجي.
قد ذكرنا أن عبد الواحد بن سليمان ضرب البعث على أهل المدينة واستعمل عليهم عبد العزيز بن عبد الله، فخرجوا، فلما كانوا بالحرة لقيتهم جزر منحورة فتقدموا، فلما كانوا بالعقيق تعلق لواؤهم بسمرة فانكسر الرمح، فتشاءم الناس بالخروج وأتاهم رسل أبي حمزة يقولون: إننا والله مالنا بقتالكم حاجة، دعونا نمض إلى عونا. فابى أهل المدينة ولم يجيبوه إلى ذلك وساروا حتى نزلوا قديداً، وكانوا مترفين ليسوا بأصحاب حرب، فلم يشعروا إلا وقد خرج عليهم أصحاب أبي حمزة من الفضاض فقتلوهم وكانت المقتلة بقريش، وفيهم كانت الشوكة، فأصيب منهم عدد كثير؛ وقدم المنهزمون المدينة فكانت المرأة تقيم النوائح على حميمها ومعها النساء، فما تبرح النساء حتى تأتيهن الأخبار عن رجالهن فيخرجن امرأة امرأة كل واحدة منهن تذهب لقتل رجلها فلا تبقى عندها امرأة لكثرة من قتل.
وقيل: إن خزاعة دلت أبا حمزة على أصحاب قديد، وقيل: كان عدة القتلى سبعمائة.

.ذكر دخول أبي حمزة المدينة:

وفي هذه السنة دخل أبو حمزة المدينة ثالث عشر صفر، ومضى عبد الواحد منها إلى الشام، وكان أبو حمزة قد أعذر إليهم وقال لهم: ما لنا بقتالكم حاجة، دعونا نمض إلى عدونا. فأبى أهل المدينة، فلقيهم فقتل منهم خلقاً كثيراً، ودخل المدينة فرقي المنبر وخطبهم وقال لهم: يا أهل المدينة! مررت بكم زمان الأحول، يعني هشام بن عبد الملك، وقد أصاب ثماركم عاهة فكتبتم إليه تسألونه أن يضع عنكم خراجكم ففعل، فزاد الغني غنى الفقير فقراً، فقلتم له: جزاك الله خيراً، فلا جزاكم الله خيراً، فلا جزاكم الله خيراً ولا جزاه خيراً! واعلموا يا أهل المدينة أنا لم نخرج من ديانا أشراً ولا بطراً ولا عبثاً ولا الدولة ملك نريد أن نخوض فيه ولا لثأر قديم نيل منا، ولكنا لما رأينا مصابيح الحق قد عطلت، وعنف القائل بالحق، وقتل القائم بالقسط، ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وسمعنا داعياً يدعو إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن، فأجبنا داعي الله، ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض الأحقاق: 2- 32، فاقبلنا من قبائل شتى ونحن قليلون متسضعفون في الأرض فآوانا الله وأيدنا بنصره فأصبحنا بنعمته إخواناً، ثم لقينا رجالكم بقديد فدعوناهم إلى طاعة الرحمن وحم القرآن فدعونا إلى طاعة الشيطان فيهم بجرانه، وغلت بدمائهم مراجلة وصدق عليهم ظنه، وأقبل أنصار الله، عز وجل، عصائب وكتائب بكل مهند ذي رونق، فدارت رحانا واستدارت رحاهم بضرب يرتاب به المبطلون، وأنتم يا أهل المدينة إن تنصروا مروان وآل مروان يسحتكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ويشف صدور قوم مؤمنين التوبة: 14. يا أهل المدينة أو لكم خير أول وآخركم شر آخر! يا أهل المدينة أخبروني عن ثمانية أسهم فرضها الله، عز وجل، في كتابه على القوي والضعيف فجاء تاع ليس له فيها سهم فأخذها لنفسه مكابراً محاربا ربه.
يا اهل المدينة بلغني أنكم تنقصون أصحابي! قلتم شباب أحداث وأعراب حفاة! ويحكم! وهل كان أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا شباباً أحداثاً وأعراباً حفاة؟ هم والله مكتهلون في شبابهم، غضة عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الباطل أقدامهم. وأحسن السيرة مع أهل المدينة واستمال حتى سمعوه يقول: من زنى فهو كافر، ومن سرق فهو كافر، ومن شك في كفرهما فهو كافر.
وأقام أبو حمزة بالمدينة ثلاثة أشهر.

.ذكر قتل أبي حمزة الخارجي:

ثم إن أبا حمزة ودع أهل المدينة وقال لهم: يا أهل المدينة إنا خارجون إلى مروان، فإن نظفر نعدل في إخوانكم ونحملكم على سنة نبيكم، وإن يكن ما تتمنون فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون الشعراء: 227.
ثم سار نحو الشام،وكان مروان قد انتخب من عسكره أربعة آلاف فارس واستعمل عليهم عبد الملك بن محمد بن عطسة السعدي، سعد هوازن، وأمره أن يجد السير، وأمره أن يقاتل الخوارج، فإن هو ظفر بهم يسير حتى يبلغ اليمن ويقالتل عبد الله بنم حيحى طالب الحق.
فاسر ابن عطية فالتقى أبا حمزة بوادي القرى، فقال أبو حمزة لأصحابه: لا تقاتلوهم حتى تختبروهم. فصاحوا بهم: ما تقولون في القرآن والعمل به؟ فقال ابن عطية: نضعه في جوف الجوالق. فقال: فما تقولون في مال اليتيم؟ قال ابن عطية: نأكل ماله ونفجر بأمه، في أشياء سألوه عنها. فملا سمعوا كلامه قاتلوه حتى أمسوا وصاحوا: ويحك يا بن عطية! إن الله قد جعل الليل سكناً فاسكن. فأبى وقاتلهم حتى قتلهم، وانهزم أصحاب أبي حمزة، من لم يقتل، وأتوا المدينة، فلقيهم فقتلهم، وسار ابن عطية إلى المدينة فأقام شهراً.
وفيمن قتل مع أبي حمزة عبد العزيز القارئ المدني المعروف بيشكست النحوي، وكان من أهل المدينة، يكتم مذهب الخوارج، فلما دخل أبو حمزة المدينة انضم إليه، فملا قتل الخوارج قتل معهم.

.ذكر قتل عبد الله بن يحيى:

ولما أقام ابن عطية بالمدينة شهراً سار نحو اليمن واستخلف على المدينة الوليد ابن عروة بن محمد بن عطية، واستخلف على مكة رجلاً من أهل الشام، وقصد اليمن، وبلغ عبد الله بن يحيى طالب الحق مسيره وهو بصنعاء، فاقبل إليه بمن معه، فالتقى هو وابن عطية فاقتتلوا، فقتل ابن يحيى وحمل رأسه إلى مروان بالشام، ومضى ابن عطية إلى صنعاء.

.ذكر قتل ابن عطية:

ولما سار ابن عطية إلى صنعاء دخلها وأقام بها، فكتب إليه مروان يأمره أن يسرع إليه السير ليحج بالناس؛ فسار في اثني عشر رجلاً بعهد مروان على الحج ومعه أربعون ألفاً، وسار وخلف عسكره وخيله بصنعاء، ونزل الجرف، فأتاه ابنا جهانة المراديان في جمعٍ كثير وقالوا له ولأصحابه: أنتم لصوص! فأخرج ابن عطية عهده على الحج وقال: هذا عهد أمير المؤمنين بالحج، وأنا ابن عطية. قالوا: هذا باطل، فانتم لصوص. فقاتلهم ابن عطية قتالاً شديداً حتى قتل.

.ذكر إيقاع قحطبة بأهل جرجان:

وفي هذه السنة قتل قحطبة بن شبيب من أهل جرجان ما يزيد على ثلاثين ألفاً.
وسبب ذلك أنه بلغه عنهم بعد قتل نباتة بن حنظلة أنهم يريدون الخروج عليه، فبما بلغه ذلك دخل إليهم واستقرر منهم فقتل منهم من ذكرنا، وسار نصر، وكان بقومس، حتى نزل خوار الري، وكاتب ابن هبيرة يستمده، وهو بواسط، مع ناس من وجوه أهل خراسان، وعظم الأمر عليه وقال له: غني قد كذبت أهل خراسان حتى ما أحد منهم يصدقني، فأمدني بعشرة آلاف قبل أن تمدني بمائة ألف لا تغني شيئاً. فحبس ابن هبيرة ليعلموه أمر الناس قبلنا ورسأللته المدد فاحتبس رسلي ولم يمدني بأحد، وإنما أنا بمنزلة من أخرج من بيته إلى حجرته، ثم أخرج من حجرته إلى داره، ثم من داره إلى فناء داره، فإن أدركه من يعينه فعسى أن يعود إلى داره وتبقى له، وإن أخرج إلى الطريق فلا دار له ولا فناء.
فكتب مروان إلى ابن هبيرة يأمره أن يمد نصراً، وكتب إلى نصر يعلمه ذلك، وجهز ابن هبيرة جيشاً كثيفاً وجعل عليم ابن غطيف وسيرهم إلى نصر.

.ذكر عدة حوادث:

غزا الصائفة هذه السنة الوليد بن هشام فنزل العمق وبنى حصن مرعش.
وفيها وقع الطاعون بالبصرة.
وحج بالناس هذه السنة محمد بن عبد الملك بن مروان، وكان هو أمير مكة والمدينة والطائف، وكان بالعراق يزيد بن عمر بن هبيرة، وكان على قضاء الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربي، وعلى قضاء البصرة عبادة بن منصور، وكان الأمير بخرايان نصر بن سيار، والأمر بخراسان على ما وصفت.
قلت: قد ذكر أبو جعفر ها هنا أن محمد بن عبد الملك حج بالناس، وكان أمير مكة والمدينة، وذكر فيما تقدم أن عروة بن الوليد كان على المدينة، وذكر في آخر سنة إحدى وثلاثين أن عروة أيضاً كان على المدينة ومكة والطائف وأنه حج بالناس تلك السنة.
في هذه النة مات أبو جعفر بن القعقاع القرئ مولى عبد الله بن عباس المخزومي بالمدينة، وقيل: سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بقديد. وفيها توفي أيوب بن أبي تميمة السختياني، وقيل: سنة تسع وعشرين، وعمره ثلاث وستون سنة. وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، وقيل: سنة اثنتين ومائة، وقيل: سنة أربع وثلاثين ومائة، ويكنى ابا نجيح. وفيها توفي محمد بن مخرمة بن سليمان وله سبعون سنة. وأبو وجرة السعدي يزيد بن عيد. وأبو الحويرث. ويزيد بن أبي ملك الهمداني. ويزيد ابن رومان. وعكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وعبد العزيز ابن رفيع بضم الراء المهملة، وفتح الفاء، وبالعين المهملة وهو أبو عبيد الله المكي الفقيه، وكان قد قارب مائة سنة، وكان لا يثبت معه امرأة لكثرة نكاحه. وإسماعيل بن أبي حكيم كاتب عمر بن العزيز. ويزيد بن أبان، وهو المعروف بيزيد الرشك، وكان قساماً بالبصرة. وحفص بن سليمان بن المغيرة، وكان مولده سنة ثمانين، يروى قراءة عاصم عنه ثم دخلت:

.سنة إحدى وثلاثين ومائة:

.ذكر موت نصر بن سيار:

وفي هذه السنة مات نصر بن سيار بساوة قرب الري.
وكان سبب مسيره إليها أن نصراً سار بعد قتل نباته إلى خوار الري، وأميرها أبو بكر العقيلي، ووجه قحطبة ابنه الحسن إلى نصر في المحرم من سنة إحدى وثلاثين ومائة، ثم وجه أبا كامل وأبا القاسم محرز بن إبراهيم وأبا العابس المروزي إلى الحسن ابنه، فلما كانوا قريباً من الحسن انحاز أبو كامل وترك عسكره وأتى نصراً فصار معه وأعلمه مكان الجند الذين فارقهم.
فوجه إليهم نصر جنداً، فهرب جند قحطبة منهم وخلفوا شيئاً من متاعهم، فأخذه أصحاب نصر، فبعث نصر إلى أبن هبيرة، فعرض له ابن غطيف بالري فأخذ الكتاب من رسول نصر المتاع وبعث به إلى ابن هبيرة، فغضب نصر وقال: أما واله لأدعن ابن هبيرة فليعرفن أنه ليس بشيء ولا ابنه.
وكان ابن غطيف في ثلاثة آلاف قد سيره ابن هبيرة إلى نصر، فأقام بالري فلم يأت نصراً، وسار نصر حتى نزل الري وعليها حبيب بن يزيد النهشلي، فلما قدمها نصر سار ابن غطيف منها إلى همذان، وفيها مالك ابن أدهم بن محرز الباهلي، فعدل ابن غطيف عنها إلى أصبهان إلى عامر ابن ضبارة؛ فلما قدم نصر الري أقام بها يومين ثم مرض، وكان يحمل حملاً، فلما بلغ ساوة مات، فلما مات بها دخل أصحابه همذان.
وكانت وفاته لمضي اثنتي عشرة ليلةً من شهر ربيع الأول، وكان عمره خمساً وثمانين سنة، وقيل: إن نصراً لما سار من خوار الري متوجها نحو الري لم يدخل الري ولكنه سلك المفازة التي بين الري وهمذان فمات بها.

.ذكر دخول قحطبة الري:

ولما مات نصر بن سيار بعث الحسن بن قحطبة خزيمة بن خازم إلى سمنان، وأقبل قحطبة من جرجان وقدم أمامه زياد بن زرارة القشيري، وكان قد ندم على ابتاع أبي مسلم، فانخذل عن قحطبة فأخذ طريق أصبهان يريد أن يأتي عامر بن ضبارة، فوجه قحطبة المسيب بن زهيرة الضبي، فلحقه من غدٍ بعد العصر فقاتله، فانهزم زياد وقتل عامة من معه، ورجع المسيب بن زهير إلى قحطبة.
ثم سار قحطبة إلى قومس، وبها ابنه الحسن، وقدم خزيمة بن خازم سمنان، فقدم قحطبة ابنه الحسن إلى الري.
وبلغ حبيب بن بديل النهشلي ومن معه من أهل الشام مير الحسن، فخرجوا عن الري، ودخل الحسن في صفر فأقام حتى قدم أبوه، ولما قدم قحطبة الري كتب إلى أبي مسلم يعلمه بذلك.
ولما استقر أمر بني العباس بالري هرب أكثر أهلها لميلهم إلى بني أمية لأنهم كانوا سفيانية، فأمر أبو مسلم بأخذ أملاكهم وأموالهم، ولما عادوا من الحج أقاموا بالكوفة سنة اثنتين وثلاثين ومائة ثم كتبوا إلى السفاح يتظلمون من أبي مسلم، فأمر برد أملاكهم فأعاد أبو مسلم الجواب يعرف حالهم وأنهم أشد الأعداء، فلم يسمع قوله وعزم على أبي مسلم برد أملاكهم، ففعل.
ولما دخل قحطبة الري وأقام بها أخذ أمره بالحزم والاحتياط والحفظ وضبظ الطرق، وكان لا يسلكها أحد إلا بجواز منه، فأقام بالري، وبلغه أن بدستبى قوماً من الخوارج وصعاليك تجمعوا بها، فوجه إليهم أبا عون في عسكر كثيف، فنازلهم ودعاهم إلى كتاب الله وسنة رسوله وإلى الرضاء من آل رسول الله،صلى الله عليه وسلم، فلم يجيبوه، فقالتلهم قتالاً شديداً حتى ظفر بهم؛ فتحصن عدة منهم حتى آمنهم أبو عون، فخرجوا إليه، وأقام معه بعضهم وتفرق بعضهم.
وكتب أبو مسلم إلى أصبهبذ طبرستان يدعوه إلى الطاعة وأداء الخراج، فأجابه إلى ذلك؛ وكتب إلى المصمغان صاحب دنباوند بمثل ذلك، فأجابه: إنما أنت خارجي وإن أمرك سنقضي.
فغضب أبو مسلم وكتب إلى موسى بن كعب، وهو بالري، يأمره بالمسير إليه وقتاله إلى أن يذعن بالطاعة، فسار إليه وراسله، فامتنع من الطاعة وأداء الخراج، فأقام موسى ولم يتمكن من المصمغان لضيق بلاده، وكان المصمغان يرسل إليه كل يوم عدة كثيرة من الديلم يقاتله في عسكره، وأخذ عليه الكرق، ومنع الميرة، وكثرت في أصاب موسى الجراح والقتل.
فملا رأى أنه لا يبلغ غرضاً عاد إلى الري، ولم يزيل المصمغان ممتنعاً إلى أيام المنصور، فأغزاه جيشاً كثيفاً عليهم حماد بن عمرو، ففتح دنباوند على يده.
ولما ورد كتاب قحطبة على أبي مسلم بنزوله الري ارتحل أبو مسلم، فيما ذكر، عن مرو فنزل نيسابور.
وأما قحطبة فإنه سير ابنه الحسن بعد نزووله الري بثلاث ليالٍ إلى همذان، فلما توجه إليها سار عنها مالك بن أدهم ومن كان بها من أهل الشام وأهل خراسان إلى نهاوند فأقام بها، وفارقه ناس كثير، ودخل الحسن همذان وسار منها إلى نهاوند فنزل على أربعة فراسخ في المدينة وحصرهم.